Bloomberg View – ترجمة بلدي نيوز
في وقت مبكر من هذا العام، ذهب مسؤول كبير سابق في البيت الأبيض سراً إلى دمشق واجتمع مع قادة النظام السوري، وتعتبر هذه الزيارة جزءاً من جهد واسع من قبل الحكومة السورية للوصول إلى أصحاب السلطة في واشنطن وكسب النفوذ.
المسؤول السابق "ستيفن سايمون"، والذي شغل منصب مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي من 2011 إلى 2012، كان في زيارة سرية لدمشق ولم يعلن عنها رسمياً، لكن اثنان من كبار المسؤولين في إدارة أوباما قالا أن سايمون لا يعمل كوسيط بين الحكومتين، بل سافر هناك كمواطن عادي وكان يمثل نفسه فقط، وقال مسؤولون أنه التقى "الرئيس السوري" بشار الأسد.
سيمون كان مستشاراً مدفوع الأجر في معهد الشرق الأوسط، ولكن انتهت العلاقة بينهما بعد أن قام بالرحلة إلى سوريا، حيث قال اثنين من الموظفين أن المعهد لا يريد أن يرتبط اسمه بالرحلة، التي لم يقوموا بتنظيمها ولم تتم استشارتهم حولها.
وقد امتنع سايمون عن التعليق على هذا المقال، كما ورفض معهد الشرق الأوسط ذلك ايضاً، وقال العديد من مثقفي سوريا الذين كانوا على بينة من هذه الزيارة بأن الرحلة كانت جزءا من محاولات واسعة للأسد للوصول إلى مسؤولي واشنطن.
توقيت مغازلة الأسد مع نخبة واشنطن كانت منطقية، فإدارة أوباما قد بدأت مؤخراً وببطء تغير موقفها الذي اتخذته منذ وقت طويل_ وهو أن الأسد يجب أن يتخلى عن السلطة فوراً لإفساح المجال لتشكيل حكومة انتقالية في سورية ونهاية الحرب الأهلية الطويلة.
في الأسبوع الماضي، أيدت الولايات المتحدة مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من شأنه إنشاء عملية انتقالية لمدة 18 شهر يبقى خلالها الأسد رئيساً لسورية وحتى من الممكن أن يترشح للانتخابات في وقت ما من عام 2017.
إذاً بعد سنوات من الإصرار على أن الأسد يجب أن يذهب، تحدث الرئيس باراك أوباما الشهر الماضي عن العملية السياسية بقوله "يمكننا أن نبدأ النظر في أن يقرر الرئيس الأسد عدم الترشح".
وفي الأسبوع الماضي، سئل أوباما في مؤتمر صحفي عن رأيه في احتمال أن تدوم رئاسة الأسد أكثر من دورته الرئاسية، فأصر الرئيس الأمريكي أن نهاية الأسد في نهاية المطاف إلى التنحي، ولا يمكن للولايات المتحدة من العمل علناً مع الأسد لأن ذلك من شأنه أن يجعل امريكا
هدفا اكبر للإرهابيين.
وأضاف: "أعتقد ان الأسد يجب أن يغادر البلاد لكي تتوقف إراقة الدماء ولكي تستطيع جميع الأطراف المعنية من المضي قدماً بعيداً عن الطائفية".
كما أشار أوباما إلى جهود إدارته للتعاون مع روسيا وإيران في العملية السياسية التي من شأنها جلب النظام السوري للجلوس على طاولة المفاوضات مع المعارضة، كما أكد أنه قد أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية الحرب أن الشعب السوري لن يقبل باستمرار حكم الأسد، يقول أوباما: "المشكلة هي أنك لن تستطيع الحفاظ على الاستقرار في البلاد في حين أن الغالبية العظمى من البلاد ترفض نظام الأسد، وبعد خمس سنوات، كنت على حق".
أما داخل المستويات العليا لإدارة أوباما فيوجد طرفان يختلفان بقوة على أهداف سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، سيمون جنباً إلى جنب مع اثنين من خلفاءه، "فيليب جوردون" و"روبرت مالي" يجادلون داخلياً على أن أولوية الولايات المتحدة أن تجعل معركتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وتؤجل حملتها للإطاحة بالأسد، بحجة الخوف من أن إزالة النظام السوري ستؤدي إلى خلق فراغ في السلطة قد يُستغل من قبل الإرهابيين للاستيلاء على مزيد من الأراضي.
أما الطرف الآخر، فهو بقيادة سفيرة الأمم المتحدة "سامانثا باور"، التي تصر على أن إزالة الأسد هو خطوة ضرورية لإنهاء الحرب، وأنه إن لم يتنحى الأسد فلا يوجد أي وسيلة لهزيمة التنظيم، وبهذا المنطق، فإن أفضل سياسة هي العمل مع المعارضة وتكثيف دعم الولايات المتحدة للثوار الذين يقاتلون النظام، لكن هذا الطرف بدأ يفقد حجته في الإدارة الأمريكية بعدما ظهر التنظيم كتهديد أكبر للغرب خصوصاً بعد هجمات باريس.
وينقسم الجيش والاستخبارات الامريكية في المستويات العليا على الحل الأمثل للأزمة السورية، فبعض المسؤولين يدعمون استراتيجية تركز أكثر على تنظيم "الدولة الإسلامية" والبعض يحث على مزيد من الضغوط على نظام الأسد.
في حين أن دمشق تحاول استغلال هذا الانقسام، في محاولات مستمرة للتواصل مع المسؤولون الأمريكيين، ويقول الخبراء أن نظام الأسد قد دعا مسؤولين مطلعين من واشنطن إلى دمشق.
أما من هم على دراية بحملة النظام فهم لا يناقشون ذلك علناً، لأن العلاقات مع دمشق يمكن اعتبارها تنازلاً أو يمكن أن تجعل المسؤولين يبدون وكأنهم عملاء للنظام لنشر رسالة الأسد.
التعامل مع النظام ليس بأبيض وأسود، ففي المقابلة التي أجراها الصحفي "جوناثان تيبرمان" مع بشار الأسد هذا العام، ونشرتها "فورين أفيرز" قامت الصحيفة بكتابة اسم بشار الأسد مكان اسم الكاتب الذي أجرى الحوار معه!
والهدف من ذلك كان لتنوير واشنطن كيف يعمل النظام السوري كأداة للدعاية، وهو يسوق لنفسه عن طريق الصحافة والسياسيين.
إن أي تواصل مع الأسد يجب ان يكون شفافاً، سواء عن طريق الإعلام او السياسيين، وأولئك الذين يقعون تحت سحره، ينبغي أن لا ينسوا سجله الحافل في الخمس سنوات الماضية من مجازر وفظائع بحق شعبه.